المنظر: سرداق كبير يمثل خاناً أو حانة أو مجلساً يظهر من طرفيه جزء من سور المدينة ).
الحاكم : ( قادم إلى السرداق بلباس جميل وشخصية محببة، يرافقه رجاله، ويرحب بوصوله رجال ونساء على الطرفين)
صاحب : مرحباً بالرجل النبيل في الليلة الأولى من عامه العاشر.
الحاكم : مرحباً بكم جميعاً، وبلقائي بكم يفرح قلبي وتسمو المودة.( يجلس)، هيا تفضلوا بالجلوس، ولنبدأ كعهدنا معاً ليلة أخرى جميلة.( يجلسون)
صاحب : بكم تزدهر الليالي والأيام.
صاحب : أنتم في خير، نحن إذن في خير، الغمامة الواسعة تسقي كل الأرض.
الحاكم : لك الشكر على ثناءٍ قد لا استحقه، هل في جلستنا هذي من جديد؟
فوز
فتاة جميلة) عودتنا يامولاي.
الحاكم : ( مقاطعاً ) بل تعودتم يافوز ..
فوز : هذا من نبلكم يامولاي ، لكن ليت الأشياء جميعاً هكذا.
الحاكم : هل تحسين بمكروه أو ضيق؟
فوز : لايامولاي، لكن ذلك الباب الجنوبي الموصد في السور ، غصة في الحلق وحكاية حزينة سكنت بيننا.
الحاكم : لاتيأسي، سنفتحه بإذن الله.
القائد : لاأراك كبيرة جداً حتى تحتاجي فيها إلى أربعة أبواب، أم تريدينها رابعة الأثافي وعند العرب ثلاث أيتها..
فوز : كانت أربعة من قبلكم.
القائد : ماذا تقصدين ياامرأة؟
فوز : كما سمعت، كانت أربعة أبواب في السور نخرج وندخل متى تشاء.
القائد : هو تعريض أو تهمة؟
فوز : كنت أظن أن حديثي موجه لمولاي الحاكم، فجاء مهذباً والمقام عالٍ.
الحاكم : تابعي يافتاة وقولي ما تشائين، فلست أخجل من شيء، ولست أدعي مالا أقدر، وأنا وأنتم في الأمر سواء.
فوز : مولاي، باب الجنوب يطل على الشمس في موضعنا، ومنه كنا نخرج ونلعب ونرتع، وأمامنا تمتد البحيرة والسهول والتلال والخضرة، تسافر الدروب إلى أهلنا والأحباب، لكنه أصبح محرماً علينا، وأبصارنا ترتد على السور والباب وكأننا ننظر من ثقب في الفضاء.
القائد : تقولين كلاماً كبيراً وكأنك لاترين ما نفعل.
فوز : الحقيقة مركبة فأنا لا أرى لأنكم لاتفعلون.
القائد : نحن سنفتح الباب ونملك السهل والتلال.
فوز : كلام كثير ومعاد.
القائد : ارعوي يافتاة.
فوز : شكراً لمن يحمينا منك ومن غيرك (تشير للحاكم)، لكن هل تذكر أن النكبات جميعاً جاءت تحذو خطواتك (للقائد).
القائد : مولاي.
الحاكم : لاتغضب ولا تستنفر العداوة.
صاحب : سنظل سعداء بكم يامولاي مادام لايوجد بين القلعة والسور سور آخر.
الحاكم : معاذ الله أن يكون.
فوز : ما زالت تلك الفسحة بين القلعة والسور ملاذاً لنا، لكنه الأخير، وهو حبل السرة بيننا وبينكم ياسيدي، فلا تجعلوه فاصلاً وقاطعاً بيننا، وإلا متنا بالاختناق، والموت بالسيف خارج السور أكرم.
الحاكم : أفهم بعمق ما تعنينه، وبعدكم ماذا نكون؟
فوز : لو أنا نخرج جميعاً ونقاتل وننتصر، ويتسع عندها فضاؤنا وتزهر حريتنا بعيداً عن ظلال الأسوار والقلاع، أما إذا طال العهد علينا، فنقتل بعضنا من صبر وضيق وملل، ونكره أنفسنا ونصغر في عيوننا وعيون الأعداء خارج السور.
الحاكم : لولا أني أعرفك، لعجبت أن يكون ذلك بين النساء.
فوز : نحن الرجال والنساء من جنس واحد، ومازالت فينا النخوة، لكن إذا قتلها الأمد الطويل تحولنا إلىأشباح لأجساد لايهمها بعد أن تغلق كل الأبواب.
الحاكم : لاتقنتي يافوز.
فوز : الزمان لاينتظر أحداً، ولا نعتب عليه.
الحاكم : وها أنذا أنزل لك عن الكلام الأخير.
فوز : أنا أسفة جداً ونسيت نفسي.
الحاكم : لاعليك، وأنت ياصاحب الليل ماذا أعددت لنا هذه الليلة؟
صاحب : ما زلنا أناسأعلى الفطرة، نسعد ونطرب ونحكي ونروي ونستمتع بالحرية ، ولكن قاتل الله الأعداء.
الحاكم : هذا أنتم، لكن كيف بنا نحن الحكام؟
صاحب : آه ياسيدي، الحكام فروض وجبروت وأسوار وأقفال وحجاب وتعظيم وملك ومصادرة وقهر ولوي رقاب ومرتع لبائعي الكلام... إلا من نجا منهم بقلب سليم فأقام العدل ولو كل دهر مرة ؟
الحاكم : ( يضحك ) وفي أي دهر نحن ؟
صاحب : دون خوف ولا نفاق؟
الحاكم : بالتأكيد وأنت تعرفني.
صاحب : إذاً نحن في السنة العاشرة.( يضحك الجميع).
الحاكم : جئتكم الليلة دون خبر، وددت قضاء ليلة معكم دون صفة لي ودون تحضير منكم، على طبيعتكم ودون روائع صفاتي مما ذكرت ياصاحبي، فافعلوا ما كنتم فاعلوه.
صاحب : مولاي.. لكن هذه الليلة...!
الحاكم : أحب أن أراها كما هي دون تغيير ولا تعديل.
صاحب : مولاي نسيت المقام، العين، الخجل، اللباقة، حسن الأدب والضيافة....
الحاكم : دعني أعرف حتى لايكثر التأويل، فكلمة واحدة إذ تصل إلى رجل رابع أو خامس تتحول إلى جملة طويلة، هل أنت خائف؟
صاحب : لست خائفاً ابداً، لكنها الكياسة والذوق.
الحاكم : لاعليك ياصديقي.
صاحب : كما تشاء يامولاي -( يصفق بيديه ، يتراجع الحضور ويشكلون دائرة ظهورهم للقلعة ووجوههم إلى المسرح) وفي الليلة الأولى من السنة العاشرة ، تجلس فوز على عرشها الأرائكي لتستقبل الخطاّب كعادتها منذ عشر سنين( يوضع العرش وتقدم فوز وتجلس عليه، كانت رشيقة القوام) أنعشوها وحركوا أنوثتها بشيء من الرقص اللطيف والغناء الخفيف.
( تدخل فرقة من الراقصين والراقصات ، يبدأ الحفل بينما يصفق الآخرون )
جلست على عرشٍ لها
بجمالها وشجونها
ترنو إلى وجه أبيّ قد يفي بيمينها
هيهات لكنْ من سنينْ
لو عاشق لاحت له
في حسنها وروائها
لرأى بأن فؤاده
لايرتقي لمنالها
فارتد عن سحر مبينْ
لكن إذا حل الهوى
وسهامه ليست تُصدْ
كسر السهام وقوسه
وهوى على فمًّ وخدْ
حبٌ ووعد لايُردْ
بالله لاتتمنعي
وتأملي وتطلعي
فعسى فؤادك قد يعي
طعم الهوى فتولعي
بالحب غمراً وارتعي
فوز : كلام جميل، أين الفتى الهابط علينا من السماء؟
نجم : ( شاب جميل بأحلى زينة يبتسم ) ها أنذا ايتها المليحة.
فوز : ( تتأمله بانتباه عميق) أهلاً بك يا فتى، تقدم وتفضل(يتقدم)
نجم : اسمي نجم يافتاتي الجميلة وأنت فوز.
فوز : ها.. ها.. قادم إلينا ، بالله ماذا تود؟
نجم : ذاك الذي ضربت له وعداً مع الخاطب الفرد.
فوز : وهل أنت هو، وهل تكتوي بالنار فتذيب الحديد وتهدم الأبواب والأسوار؟
نجم : أنا لاأدعي ، لكنني أغلب كل الرجال.
فوز : عن أي رجال تتحدث؟
نجم : عن أولئك الذين سبقوني للقدوم إليك.
فوز : رجال.. قلت لي رجال، ( تتلفت إليه بقوة) والله إنك أجمل منهم واقوى وأشد بأساً، وأخاف عليك أمراً من اثنين.
نجم : اذكريهما أيتها المليحة.
فوز : أخاف عليك قبولك التحدي والاخفاق فيه، ومن ثم الأسر أو الموت، وأخاف عليك حبك للنجاة فتسقط كبرياء نفسك، ولا أود أن أرسم لك مصيراً باهتاً.
نجم : ولماذا فعلت إذاً بالآخرين وتترددين الآن؟
فوز : هو جرح عميق في نفسي.
نجم : وتودين خلاص نفسك والثأر.
فوز : هو كذلك، فقدت أبي وإخوتي في الدفاع عن الباب الجنوبي، وماتت أمي من الأسى، وبقيت وحدي كالنخلة في الصحراء.
( ضوضاء.. صحراء.. صحراء.. صحراء..)
نجم : وهل خفت على أحد غيري؟
فوز : لم أحس ذلك.
نجم : ومعي؟
فوز : أحسست به أول مرة
( ضوضاء.. حب.. حب.. الحب..)
نجم : فما ترين الآن؟
فوز : هل أنت مستعد؟
نجم : ولذا أتيت.
فوز : كان من قابلت من الرجال أشباه رجال، حملة ميازيب لا أكثر، وتراجعوا واحداً إثر الآخر. خافوا من الموت ومن تلاشي أحلامهم بامرأة شهية، وهل يحلم الأموات، إنما هم يسيل لعابهم الآن في بيوتهم، فلعل وعسى يأتي دهر ويتغير يوم ويفوز فائز بفوز.
نجم : وإذا كنت الفائز الحقيقي؟
فوز : لك أنا والدنيا والأحلام وأكثر. ستخضر بك الأرض وتشرق الشمس علينا من باب الجنوب، ستحيا مدينتنا وينطلق الناس أحراراً خلف هذا السور ، سيأتي أناس ويرحل ناس ويكثر الخير ويلتقي الأهل والأحباب ، وسوف يحبنا الله ويغمرنا بالمطر والربيع والزهور والورود. شيء رائع يانجم.
نجم : لن أخذلك وأنا لـها فاطلبي ما تشائين.
فوز : ستنال قبولي لو أتيتني ببعض مهري، وتعاهدني ثانياً أن تمضي في الطريق ذاته
نجم : وما هو بعض مهرك؟
فوز : أن تخرج من باب الجنوب وتأتيني ببعض الأسرى من الرجال والنساء. ولو حدث، فستجدني في انتظارك أمام الباب ذاته الذي أغلق علينا من عشر سنين، ستفتحه أنت بساعديك القويين، تلك البداية...
نجم : وأظنني أعرف التتمة.
فوز : بالتأكيد يانجم، هو شيء من المهر ما قلته، أما بعد ذلك، فالنصر العريض على أولئك الأعداء، والحرية الكاملة على جهات المدينة الأربع بلا أعداء ولا خوف... ستغدو البطل، ألا تحب؟
نجم : قبلت يافوز قبولاً لارجعة فيه.
فوز : ستفوز إن شاء الله.
نجم : ومتى تكون البداية؟
فوز : خذ وقتاً كما تشاء، وضع خططك، ولايهمني أخيراً إلا أنت والنصر، أما إذا عجزت فقل صراحة ولا تدعني انتظر السراب، ولا تنسَ أن طول العهد يفقد الأمر روعته.
نجم : أعرف فاطمئني، وستبقى لنا تلك الروعة.
فوز : على بركة الله، ومن هذه اللحظة يبدأ انتظاري على دقات قلبي.
الحاكم
يتدخل) يسعدنا أن تنتظري فرحة قلبك، لكن ليس بمثل هذا الظرف الذي نمر فيه، وأرجو ألا تنفردا بالحل ولا تتعجلا، فالأمر عام وكبير وخطير، ولا يحل ببطولات فردية وعاطفية.
فوز : ماذا تقصد يامولاي، هل نبقى محاصرين ابد الدهر؟
الحاكم : لا.. لا أيتها الفتاة المتحمسة، لكن لن نجازف بواحد منا عبثاً مهما طال الزمن، وليس من داع للتشاؤم.
نجم : ياسيدي، إنا نحترق من الداخل، وأرواحنا تتفحم بدخان لا نار فيه.
الحاكم : ذالكم أنتم الشباب في عنفوان العمر والعواطف.
نجم : أخشى ياسيدي أن تتلاشى هذه العواطف قبل أن يحين موعدها مع العدو.
الحاكم : إطمئن، فالشباب متجدد والأمة لاتموت.
القائد : اسمح لي مولاي القول، لو كان لي الأمر لتركتك تفعل هذا الشيء الذي تناجيتما به.
نجم : عن حب في محاربة العدو، أم عن حنق منك علينا واستصغار لشأننا؟
القائد : احترس وحاذر ولا تتعرض لقواتنا.
نجم : لكني لم أفعل، ونحن الآن نمثل مشهداً.
القائد : أنت تعني واقعنا بما تقول في مشهدك المرتب ضدنا.
نجم : تفسير عجيب.
القائد : ( حاول) أن يعجبك.
فوز : أرجو أن يكفينا الله أمرك.
الحاكم : كفى( يسكتون)، أما نحن فمنصرفون الآن وسوف نلتقي في ليلة أخرى.( ينسحبون)
فوز : لكننا نمثل، فكيف لو كان الأمر حقيقة!
نجم : كنت بارعة وشجاعة يافوز، ومع أننا نمثل لكن كنت أحس أني أمارس فعلاً حقيقياً.
فوز : هو الانفعال يانجم.
نجم : هو الشعور الحقيقي يافوز.
فوز : كله؟
نجم : كله يافوز
فوز : وأنت تحبني وتضحي من أجلي؟
نجم : تماماً يافوز
فوز : يا ألله... من جديد!
نجم : كان ينمو كل يوم.
فوز : وأنت تمثل.
فوز : وبعد ذلك؟
نجم : مهرك الذي طلبت مني.
فوز : أنت جاد.؟
نجم : نعم، ودعينا نكن مثالين نحفز الأرواح والهمم للحرب والنصر، وبعدها يكون لنا الزمن الكافي.
فوز : عهد؟
نجم : ووعد.
صاحب : سرني جداً ما سمعت، لا لسبب واحد وإنما لأكثر.
نجم : فسر لنا قولك ياصاحبنا وصاحب أمرنا.
صاحب : أما الذي سرني فهو فرحي بكما أيها الحبيبان وأنتما تشاركانني العمل في السرادق وسيكون ذلك طويلاً، وحزني عليكما من خيبة الأمل ومن حلمكما الجميل الذي سيؤرقكما زمناً طويلاً أيضاً.
فوز : ويذهب الشباب وتنطفئ الأحلام.
صاحب : أتمنى أن تكون ظنوني واهمة.
فوز : وفي لحظة مر بنا العمر كله والتاريخ.
نجم : وهرمنا، سامحك الله ياصاحبي.
صاحب : لاتعتب وأرجو أن تصدقك الأيام، فنحن معاً ونرى معاً وسنظل معاً.